الاختلاف ثقافة، ورغم كُلّ الصفات التي تجمعنا كبشر إلّا أنّ هُناك ما يُميّز كل شخص عن الآخر، وما يختلف به عن سواه داخليا وخارجيًّا. في مساحتنا اليوم ستُضيء جانبًا من عتمة في المجتمع والأفكار المُسبقة حول موضوع البُهاق من خلال امرأة طموحة أحبّت الحياة ووثقت بنفسها وخرجت إلى المجتمع سيّدة ناجحة وأم رائعة.
جلنار دغش خريس من المغار أم وزوجة حاصلة على لقب وشهادة في الأدب والفن والموسيقى وتوجيه مجموعات، تعمل مع ابناء الشبيبة في التعليم اللامنهجي ومتطوعة في مستشفى هداسا عين كارم مع مرضى السرطان بالإضافة إلى حصولها على شهادة "د" فخرية من جامعة حقوق الإنسان في ألمانيا، عملت في السابق مع الشبيبة في مؤسسة صفورية "أولاد في ضائقة" كما تطوعت لتعليم نساء درزيات اللغة العبرية المحكية.
جلنار دغش خريس
اكتشفت جلنار إصابتها بالبهاق قبل فترة ومنذ تلك اللحظة تغيّرت حياتها، حول الصعوبات والتحديات والدعم والوعي كان لدينا حديث مع هذه المرأة الشجاعة التي اختارت أن تحكي قصّتها لتكون بمثابة حافز لغيرها من النساء الاتي يعانين من نفس الحالة ولا زلن يشعرن بخجل او ضعف.. رسالة أمل
بداية اكتشاف البهاق
تقول جلنار: "لم ألاحظه في البداية، إذ ظهر أعلى جبيني من الناحية اليسرى، فشقيقاتي انتبهن للون الأبيض في بشرتي وسألنني عنها، لكني لم أعرف بم أجيب، وبعد أيام بدأت ألاحظ أن الأمر آخذ بالازدياد، فساورني القلق، عندها توجّهت لطبيب الجلدية لأطمئن، فطلب منّي أن أجري فحص دم، كانت هناك تخوّفات من أن يكون الكبد مُصابًا، لكن بعد الفحوصات تبيّن أنّ كل شيء سليم، فأكد لي الطبيب بأنّ هذا الذي أعاني منه يسمى "بُهاق"، وشرح لي الطبيب عن هذه الحالة الصحية التي تتعلّق بالجلد وصبغة الميلانين الذي تُفقد ببعض المناطق، لم يكن الأمر سهلًا بالنسبة إليّ وحاولت أن أتمالك نفسي، بالذات وأنّني تعرّضت لصدمة نفسية قبلها حيث أنّني كنت حامل بطفلتي التوأم وقبل فترة قصيرة من الولادة توفت إحداهما، فتتالت الصدمات.
رفض وعدم تقبّل ثم.. راحة
لم أتقبّل الموضوع في البداية وصرت أستعمل المراهم التي أسمع أنها تساعد في التقليل من البهاق، لكن كل هذه المواد لم تساعدني على الإطلاق، بعدها وجّهني الطبيب لأبدأ بالعلاج بالأشعة، وفعلًا بدأت، لكنّ الأمر أثّر على حياتي اليومية والمهنية، بعد فترة لم أستطع إكمال العلاج بالأشعة لأنّ الطبيبة حذّرتني من تعرّض بشرتي للكثير من الإشعاعات وقالت بأنّها قد تؤثّر سلبًا وتعطي نتائج لا نريدها، فتوقفت فورًا عن هذا العلاج. في هذه اللحظة قرّرت أن أتعالج من ناحية نفسية لأشعر براحة وتقبّل أكبر لذاتي فتوجّهت لطبيبة نفسية التي ساعدتني لأخرج من عزلتي وشعرت بعدها براحة كبيرة واقتناع ورضى.
أذكر أن الطبيبة مرّة قالت لي انظري إلى المرآة وأحبي نفسك كما أنت لأنّها تستحقّ الحُب، كان وقع هذه الكلمات عليّ كبير، وأثرت على نفسيّتي وتقبّلتُ حالتي ولم يعد يقلقني وجود البهاق بل على العكس أصبح جزء من شخصيّتي.
أذكر قبل ذلك أنّني كنت احاول إخفاء البهاق عبر مساحيق التجميل أو أصبغ الشعر الأبيض الذي بدأ يظهر بسببه، حاولت ألا أتواجد كثيرًا بين الناس لأتفادى الأسئلة الكثيرة، لكن عندما قررت أن احبّ ذاتي لم أعد أهتم لكلام الآخرين أو نظراتهم، بل أصبحت أحب البقع البيضاء ولم أحاول إخفاءها بعد ذلك.
بعد فترة من التقبل والهدوء النفسي أصبحت أقرأ أكثر عن البهاق لأفهم الحالة بشكل أعمق، وبات لدي هدف وهو التوعية حول كل ما يدور حول البهاق، التوعية لدى المصاب بالبهاق ولدى غير المصابين وذلك من أجل خلق إطار صحّي لتقبّل المختلف ومراعاة شعوره.
من المهم أن أذكر بأنّ القوّة التي أمدّها البهاق لي كانت كبيرة، عرّفني على ذاتي بشكل مختلف وجديد، وأنا ممتنة له كثيرا ودائمًا أنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، فالمستشفيات مليئة بالأمراض والأوجاع التي لا يشعر بها غير أصحابها، أحمد الله على كل نعمه وأعتبر البهاق نعمة وعبرة من الله لي.
الدعم
دعم عائلتي وزوجي كان له الوقع الأكبر في تحسّن نفسيتي بشكل كبير، رغم الخوف الذي انتابنا جميعا في البداية إلا أنّهم وقفوا إلى جانبي ولم أشعر يومًا بوحدة أو بضعف لأنّهم معي، وبالذات أيّام العلاجات الصعبة والأشعة، كانوا يتركون أعمالهم من أجل البقاء معي والاطمئنان عليّ.
البُهاق يُميّز صاحبه
أنا أؤمن أن الله لا يمنحنا أي شيء إلا للخير، ولا يدخلنا في أي تجربة إلا لنخرج منها أقوى ونستخلص منها العبر، وأشعر اليوم بأنّ الله ميّزني بالبهاق الذي امتدّ لشعري، وأصبح كبصمة خاصّة بي. تعلّمت من البهاق أنّه لا يوجد أحد كامل، نحن نكتمل برضانا عن النواقص التي لدينا، وعلينا ان نأخذ كل المصاعب التي تعترض طريقنا بشكل إيجابي لنتخطاها بأقل ما يمكن من الأضرار وبرضى تام.
رسالة للنساء
كل أنثى فينا لديها ما يميّزها، ما يجعلها خاصّة، تحصّني بقوّة شخصيتك وثقافتك وإرادتك للاستمرار في الحياة رغم كل الصعاب وضعي أهدافا لتصلي إليها بكل ثبات لتتركي بصمة وتأثيرا في المجتمع، وتذكّري أنّك ولدت لرسالة وأنت أهل لتأديتها على أكمل وجه. تقبّلي كل نقص، وكل ضعف فإذا لم تتقبلي نفسك أولًا فلن يتقبّلك أحد، حاربي من أجل ذاتك، وعليك أن تسمحي للنور الذي بداخلك أن يضيء كل عتمة، فأنت تستحقين الحياة والفرح والتألق.